بداية أود أن أنوه إلي أن بعض المسلمين يفضل أن يضرب صفحاً عن الخوض في تلك المسألة الشائكة (أو كما يسميها بعض هؤلاء المسلمين فضلاً عن غيرهم)، وبقليل من التأمل فسوف يتبين لكل منا إن شاء الله أنها ليست شائكة علي الإطلاقً، فالله تعالي هو الذي قد خلق المرأة، وهو أعلم بها من غيره سبحانه، وهو حق وعدل ومنزه عن الظلم، فإذا ما وضعنا تلك الاعتبارات الهامة أثناء دراسة ذلك الموضوع نصب أعيننا لوضحت الرؤيا أمامنا بجلاء تام ولوضعنا الأمور في نصابها الحقيقي دون غلو أو مغالاة، ولتبين لنا مدي عظمة ديننا الحنيف، كما سوف يتبين لنا أن كلمة (واضربوهن) وحدها تدل علي إعجاز في القرآن في حد ذاتها!!
ومن عجب العجاب أننا نجد أن أعداء الإسلام يغضون الطرف عن تكريم الإسلام العظيم للمرأة وإعلاء شأنها ومكانتها ناسين أو متناسين أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يحرص دوماً علي رفعة المرأة وتكريمها والحرص كل الحرص علي حفظ كرامتها.
إن أول ذريعة يتخذها هؤلاء الأعداء الألداء هي النظرة السطحية البحتة لظاهر الآية رقم (34) من سورة النساء والتي تتكلم عن ضرب المرأة كآخر وسيلة من وسائل العقاب التأديبي متغافلين عن استنكار الإسلام وتنديده لوأد البنات مثلا، فيقول الله تعالي:
(وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير 8، 9).
وأن الإسلام كذلك قد حرر المرأة من الرق الذي كانت سادرة في ربقته في غياهب العصور المظلمة حتي ظهور ذلك الدين الحنيف، والحقيقة فإن الإسلام يشنأ عليه خصومه والكثير من أتباعه علي حد سواء.... فبالنسبة لخصومه (فبنظرتهم إليه بعين الكراهية وتصيد الأخطاء المزعومة)، أما بالنسبة للكثير من أتباعه (فبنظرتهم إليه بعين القصور والجهل).
وسوف نوضح الآن بعض الأمثلة مما قاله بعض الذين اجتهدوا في تفسير الآية، فمنهم من نسب أفعالاً مفتراة للرسول صلي الله عليه وسلم وهو منها براء، ومنهم من أدلي بدلوه من واقع استنطاق الآيات التي تحتوي علي لفظة (الضرب ومشتقاتها)، وقد نسي هؤلاء الأفاضل أن القرآن يفسر أيضاً في ضوء الحقائق العلمية الثابتة التي لا تعرف التأويل أو التغيير.
1- يقول البعض في شرح الآية بعد أن قام بإحصاء كلمة الضرب ومشتقاتها علي مستوي الجذر في القرآن، وكذلك بعض معانيها في القواميس العربية، واستخلص فقط في النهاية أن معني الضرب مجرد تحريك الشئ من نقطة إلي أخري، وعليه فقد استنتج الآتي:
فإذا كان الهجر في المضاجع هو حركة في داخل البيت فإن ضربهن يمثل حركة في خارج البيت بأن يخرج الناشز من بيت الزوجية إلى بيت أبيها أو من يقوم مقامه فإما أن تهذب طباعها وإما أن يكون ذلك الخروج تمهيدا لتطليقها.
ولو كان الأمر كذلك كما تفضل بقوله السابق، إذن فلماذا لم يذكر الله ذلك في القرآن صراحة؟....فهل القرآن عبارة عن ألغاز مقصور فهمها علي الفقهاء الذين يدرسون اللغة العربية فقط حتي في بديهية بسيطة كهذه؟؟
2-
وهناك أيضاً من يقول مستدركاً في شرح نفس الآية رداً علي النوع الأول:
ويستمر في الوعظ فان لم ينجح فعليه هنا أن يهجر فى الفراش وهو أقسى ما يمكنه ان يفعله لحل تلك الاشكالية فى بيته بدون علم الآخرين هنا إذا لم ينجح هذا العقاب فعليه ضربها أى إعلانها بدلالة ضرب الأمثال أى إعلانها وتأتى الآية 35- التالية لهذه الآية فتوضح هذا الإعلان وخروج المشكلة من البيت وإعلانها للأهل (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ان يريدا أصلاحا يوفق الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا).
وهذا أيضاً تفسير في منتهي الغرابة، ولو أراد الله هذا المعني لقاله مباشرة بلا مواراة أو مداراة، فلم يكن الله تعالي ليستخدم هذا الأسلوب مع عباده، وكيف ذلك؟!
ولي بعض الملحوظات علي تعليق الأعضاء الثلاثة الأفاضل:
أولاً: إن جميع التكاليف التي كلفنا الله بها في القرآن الكريم قد أمرنا بها صراحة وبدون تورية حيث لا عذر لأحد حين يقيم علينا حجته العادلة يوم القيامة، وهذا أهم مقتضيات العدل الإلهي (باستثناء الصلاة طبعاً، فهي من قبيل السنة العملية المتواترة والمكلفين بها والتي وصلتنا بلا أدني ريب أو مراء).
ثانياً: لو كان معني الآية هو نفس ما قاله الأعضاء الأفاضل المذكورين لظل القرآن غامضاً طيلة أربعة عشر قرناً علي جهابذة المسلمين فضلاً عن عوامهم، حتي يأتي بعض المسلمين بعد هذه الفترة السحيقة ليقولوا معني آخر يخالف المعني البديهي للآية والذي لا يحتمل أي تأويل أو بحث، فهل هذا معقول؟ إن الدين لم يقتصر فهم أساسياته علي خاصة الناس فقط بل وعوامهم أيضاً، إن الله تعالي قد يسر القرآن للذكر فقال سبحانه:
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر 17، 22، 32، 40)
أي أن هذه الآية الكريمة قد ذكرت في القرآن أربع مرات، وقد يكون ذلك علي سبيل التوكيد، فإن تيسير الله القرآن ليذكره عباده بات مؤكداً حتي لا يأتي أحد يوم القيامة مدعياً صعوبته أو عدم فهمه، وهذا من منن الله علينا جميعاً.
ونلاحظ أن التفاسير السابقة للآية إنما تنم عن استنكار هؤلاء المفسرين لبشاعة عقوبة الضرب (الظاهرة فقط) بالنسبة للمرأة كما قد يُفهم (ظاهرا)، لذا فإنهم قد قاموا بعملية تجميل حتي يضفوا علي الآية لطائف لم تكن موجودة فيها، وقد قاموا بلي أعناق الآية وتحميلها ما لا تطيق، وهذا بالطبع ناتج عن نواياهم الحسنة جميعاً، فكلهم مسلمون يغارون علي دينهم، ويحاولون أن يدفعوا عنه ما يعتقدون أنه يسئ له، وهذه ظاهرة صحية يتمتع بها المؤمن دون غيره، ولكن أُذَكِّرَهم أنه كان من الواجب عليهم أن يبحثوا الموضوع من جميع جوانبه، وأن يقرأوا القرآن جيداً فيما يتعلق بهذا الموضوع الجاد الخطير الذي تتناوله التيارات غير الإسلامية بكافة طوائفها ومللها طاعنة في الإسلام بجهل مطبق قد يجعل من يغارون علي دينهم (ممن ليس عندهم علم كاف) أن يدافع عن الإسلام بجهل، وبالطبع فلا يمكن دفع الجهل بجهل أكبر منه!!.....ولعل من أهم الأخطاء المنهجية التي وقعوا فيها أنهم قد اقتطعوا كلمة (واضربوهن) من الآية أو ربما اقتطعوا الآية بأكملها من جملة الآيات السابقة واللاحقة لها، الأمر الذي أدي إلي تفريغها من محتواها الدلالي الذي تشرحه الآيات جملة واحدة
يتبع.................في الجزء الثاني