عودة الإنسان في فكر وإبداع ف.م.دوستويفسكي
فمن هو إذا إنسان دوستويفسكي ؟
إنه الإنسان الفاقد كماله ,وحدته ,الإنسان في حالة عدم التوافق ,التنافر , حالة عدم الانسجام مع الواقع ومع حقيقة ذاته .إن مثل هذه النظرة توقظ شعوراً مزدوجاً –ابتهاجاً يرقى حتى الحماسة العالية في الإحساس ب عظمة الحياة وألماً لا يحتمل يصل حد الكره أو البغض لقباحة وجه هذا العالم .
حالة واحدة تتملكني متعلقة بمصير الإنسان :إن جوه الروحي يتكون من التقاء الأرض بالسماء ,فأي طفل غير شرعي هو الإنسان ! لقد انتهك القانون الروحي للطبيعة .....
إن دوستويفسكي يسقط إحساسه الخاص بالعالم على تراجيديا هاملت الشكسبيرية .التي قدمها بقراءة رومانسية فريدة في ذلك الوقت بافل موتشالوف على خشبات مسارح موسكو :ترى قشرة قاسية واحدة تلك التي تحتها تعني البشرية , تعلم أن انفجار إرادة واحدا قادر على كسرها لتمتزج البشرية بالخلود ,تعلم ذلك وتصبح وكأنك الأخير من المخلوقات .....
ياللهول ما أضيق روح الإنسان ....
الروح يخنقها الحزن بقوة إلى درجة تمنعها من فهمه كي لا تمزق ذاتها .
يعتقد دوستويفسكي لو لم تعرف البشرية صفح يسوع ومغفرته حيث يكتب في مقالته الوسط:ندخل إلى قاعة المحكمة تتملكنا فكرة مفادها أننا أيضا مذنبون .المسيحية مبنية على المحبة الطليقة في الرب ,وعلى مبدأ (أحب قريبك ,كما تحب نفسك) وتعترف بتأثير الوسط المحيط .
فمنذ الايام الأولى لدخوله السجن راح دوستويفسكي يتابع فكرة محددة وهي تتعلق باختلاف العقوبات لأجل جريمة واحدة بعينها ,مع العلم أن من الاستحالة مفارنة جريمة بأخرى حتى ولو بشكل تقريبي.
متشرد يقتل دفاعا عن حريته عن حياته رغم أنه يموت مرارا من الجوع ,وشخص آخر يذبح الصغار لأجل المتعة .....
وهذان الشخصان يدخلان السجن ,ولكن في الحقيقة لفترتي عقوبة مختلفتين ,ويكون التباين في مدتي السجن صغيراً نسبياً .أما التباين في نوعية الجريمة الواحدة –فهو كبير جداً .
بقدر ما يكون طابع الجريمة خاصاً –يكون التباين وإلى جوار ما سبق يوجد أيضا ً موضوع أكثر أهمية يتعلق بأثار العقاب نفسها ,وهذا هام لأنه تحديداً في تلك الظروف تظهر أكثر ما تظهر الميزات الإنسانية الشخصية للطبع ,هذا شخص يذبل ويذوب في السجن كالشمعة .وهذا شخص أخر لم يكن –حتى – يعلم قبل وصوله إلى السجن أن هناك على سطح الارض حياة مرحة كهذه ! ومجموعة من الرفاق الاباعد كهذه ! نعم يأتي إلى السجن أمثال هؤلاء ,على سبيل المثال ياتي شخص متعلم ,بضمير حي ووعي وقلب .
ألم واحد من آلام قلبه الخاصة –قبل كل انواع العقاب –يمكن ان يقتله بعذاباته الذاتية .إنه يحاكم نفسه بنفسه على جريمته البشعة بلا رحمة وفق قانونه الخاص المرعب ,وإلى جواره شخص آخر لا يفكر في سجنه هذا ,ولو لمرة واحدة بجريمة القتل التي اقترفها .بل يعتقد أنه كان محقاً ...وكل هؤلاء بشر ,ولكل منهم سره الخاص.
يوجد مثل هذه الظاهرة في كل جوانب الحياة ...في الحب ...في الحرب ...من اجل الحرية وحرية الذات ....
فما هي آرائكم انتم يا اخواتي ..من أجل الإنسان
فهل هناك من يسمع ويرى ...؟